سلاما أيها المطر..
نتذكر الصبا والصبوات.
شكرا للمطر، لا أدري كم من السنوات افتقدناه بكل هذا الزخم وكل هذا العنف .كنا نسيناه.
هو الذي يحمل في ثناياه ذاكرة طفولتناالبعيدة ،يوم كنا نغادر بيوتنا في غبش الصباح بمحفظة جلدية في اليد،واليد الأخرى تدفأ بالجيب. كان مطرا حقيقيا يومذاك ، ينظم برنامجنا اليومي ، وطبائعنا وعلاقتنا.حتى مائدة طعامنا كانت تتواقت مع هذاالمطرالمدرار الهادر، فتتشكل ساخنة حارة تنسجم مع طقوس الموسم.كان موسما حقا،كما كانت الحياة كلها.
لا أحب مثل كل الشيوخ في عمري، أن أرى الماضي أجمل، وأن أطلق تنهيدة مرارة على الماضي الذي فات.
كان جميلا فعلا، لأنه أصبح ذكريات عشناها. غير أن عيوننا مازالت قادرة أن تفترس الحاضر بنفس النهم القديم، وأن تتفرس في ثناياه.
وهاهو المطر القديم يعود.
هكذا كان مطرنا، على أيام ذلك الماضي. كان حقيقيا مشبعا، يملأ القلب بالبهجة وبطقوس الدفء.
وحدث أن وقعت انتخابات اشتغلت فيها العقول الإلكترونية. وحدث فيها أن وزيرا في الحكومة عقد ندوة يستقرئ فيها، ويحلل نتائج هذه الإنتخابات، وبقلب بارد وأعصاب هادئة قال:إن المغاربة يغيرون طقوسهم،وإن قوى أخرى نشأت.
وهكذا، تبعا لكل ما يتغير غاب المطر الحقيقي، تغيرت طقوسه هو أيضا، فأصيبت الأرض بالجفاف، وأصيبت الأرواح بجفاف أشد قسوة، وما عادنا نتعرف على تبادل المواسم واختلافها، فالصيف يطيل حضوره إلى أن يلتقي بالصيف الجديد، أما موسم الربيع فقد قتلته العقول الإلكترونية وتأسيس الأغلبيات وتحليلات السيد الوزير.
هذا العام تذكرنا طعم المطر غير المزيف .مطر حقيقي أيقظ أهل الكهف من غفواتهم، وأيقظ ذاكرتنا على الصبا والصبوات والأيام الجميلة.
لا يأس إذن من الحاضر، ولا يأس من مفاجأت وتحولات الأتي. فالدورة الطبيعية للأرض حتمية، والسنوات السبع العجاف ستتبعها السنوات السمان بخير الحقيقة، وبما يمكث في الأرض.
سلاما لك أيها المطر.
سلاما لك أيتها التحولات الأتية ..ولا بد من صنعاء وإن طال السفر.
(عن كتاب الشهر3 سلسلة شراع -ذو الحجة 1416-ماي 1996 بخط اليد شظايا من ذاكرة الزمن المغربي عبد الجبار السحيمي)
0 التعليقات:
إرسال تعليق